طقس العرب - لا تزال كارثة تشيرنوبيل النووية، التي وقعت في 26 أبريل 1986، تُعدّ واحدة من أعظم الكوارث البيئية في العصر الحديث. تسببت بانفجار المفاعل الرابع في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في أوكرانيا، وأطلقت كميات هائلة من المواد المشعة في الغلاف الجوي، وأدت إلى ظاهرة نادرة وخطيرة تُعرف بـ "المطر الإشعاعي".
المطر الإشعاعي (Radioactive Rain) هو مصطلح يُطلق على هطول أمطار تحمل جسيمات مشعة ناتجة عن انفجار نووي أو حادث مفاعل. فعند انفجار تشيرنوبيل، تحررت نظائر مشعة مثل السيزيوم-137 واليود-131 والسترونشيوم-90، وانتقلت إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي. هناك، اندمجت مع السحب، وعادت إلى سطح الأرض على شكل مطر يحمل إشعاعات خطيرة.
حسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، فإن التيارات الهوائية لعبت دورًا حاسمًا في نقل السحب المشبعة بالإشعاع. فبسبب وجود أنظمة ضغط منخفض في مناطق شمال أوروبا، وصلت الجسيمات المشعة إلى بلدان مثل السويد، النرويج، فنلندا، وأجزاء من بريطانيا وفرنسا، في غضون أيام فقط من الانفجار.
وعند ملامسة هذه الجسيمات للسحب (اي الجسيمات المٌشعة)، يتم امتصاصها داخل قطرات الماء، مما يؤدي إلى هطولها على شكل مطر إشعاعي. هذا النوع من الأمطار يُعدّ الأخطر لأنه يُركّز الجسيمات المشعة في التربة، المياه الجوفية، والنباتات. وقد لوحظت بعد الحادث مستويات إشعاع مئات المرات فوق الحد الطبيعي في مناطق هطول الأمطار.
ووفقاً لللدراسات التي أجراها معهد ماكس بلانك الألماني أن النظائر المشعة استقرت في طبقات التربة العليا، وما زال السيزيوم-137 موجودًا بنسب مؤثرة حتى اليوم في بعض الأراضي الزراعية في أوكرانيا وبيلاروسيا. كما سجلت تلوثًا في الأنهار والبحيرات أدى إلى قيود طويلة الأمد على الصيد والزراعة.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن أولى موجات الإشعاع أثّرت مباشرة على العاملين في الموقع وسكان المناطق المحيطة، حيث زادت نسب الإصابة بسرطان الغدة الدرقية بسبب اليود المشع. أما المناطق التي طالها المطر الإشعاعي لاحقًا، فقد تعرضت لمخاطر طويلة الأمد من أمراض تنفسية وجينية وأمراض الدم.
وبعد الانفجار في 26 أبريل 1986، تجاوز إطلاق الإشعاع مستويات الكارثة، وكان المطر المشع أحد أبرز مصادر التلوث. ووفق تقرير لجنة تشيرنوبيل العالمية المشتركة (Chernobyl Forum)، حتى منتصف 2005، توفي أقل من 50 شخصًا بشكل مباشر جراء التعرض الحاد للإشعاع، ومعظمهم من رجال الإنقاذ والمتفجرين أثناء عمليات الإخلاء والإطفاء.
على المدى الطويل، توقعت اللجنة أن يصل عدد الوفيات المتعلقة بالإشعاع، بما في ذلك السرطانات، إلى حوالي 4,000 وفاة ضمن الفئات الأكثر تعرضًا: 200,000 عامل عمليات (الـ liquidators)، و116,000 من الناجين في المناطق الملوثة، إضافة إلى 270,000 من المقيمين هناك.
كما سجلت حالات الإصابة بمرض سرطان الغدة الدرقية، خاصة عند الأطفال، بما يقارب 4,000 إصابة حتى 2005، توفّي منهم تسعة أشخاص، وبالتالي فإن الأمطار المشعة كانت من أهم عوامل نقل الإشعاع إلى الأرض، مسببة تلوثًا محليًا شديدًا، وأسهمت مباشرة في حالات التعرض المميتة والمرضية، وفق تقديرات منظمات دولية.
ومن جهتهم قال المختصون الجويون في مركز طقس العرب أن الظروف الجوية، مثل الضغط الجوي، الرطوبة، وسرعة الرياح، يلعبون دورًا في تحديد مدى اتساع رقعة التلوث. ففي تشيرنوبيل، ساعدت الرياح الجنوبية الشرقية القوية والرطوبة العالية على ارتفاع السحابة المشعة حتى طبقة التروبوسفير، ما مكّنها من الانتقال لمسافات تتجاوز 1500 كيلومتر خلال أيام.
وحفزت حادثة تشيرنوبيل العلماء لتطوير نماذج محاكاة للتنبؤ بحركة الإشعاع في الجو، مثل نموذج HYSPLIT من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، الذي يستخدم اليوم للتنبؤ بمسار الرماد البركاني والمواد السامة المشابهة. هذه النماذج تُستخدم اليوم لتفادي وقوع كوارث إنسانية مماثلة.
ورغم أن مصطلح "المطر الإشعاعي" مرتبط غالبًا بتشيرنوبيل، إلا أن الظاهرة ظهرت بعد كل من تجارب التفجيرات النووية في الخمسينات والستينات. في حالات مثل تفجيرات Bikini Atoll أو كارثة فوكوشيما 2011، شوهدت مؤشرات على تساقط إشعاعي محمول بالمطر، لكنها لم تبلغ حجم كارثة تشيرنوبيل.
لا تزال "منطقة الحظر" الممتدة على شعاع 30 كم حول المفاعل، والتي تُعرف بـ Chernobyl Exclusion Zone، خاضعة لمراقبة بيئية صارمة. تُستخدم اليوم كمختبر طبيعي لدراسة آثار الإشعاع على النُظم البيئية، بما في ذلك حياة النباتات، الطيور، والحيوانات البرية التي تعافت جزئيًا رغم وجود الإشعاع.
وفي خلاصة القول حادثة تشيرنوبيل تعيد تذكيرنا بأن الطقس ليس فقط عاملًا بيئيًا حياديًا، بل يمكن أن يكون وسيلة تضاعف من آثار الكوارث البشرية. من خلال الأمطار والرياح، انتقلت الجسيمات المشعة لعشرات الدول، محدثة آثارًا صحية وبيئية لا تزال قائمة حتى اليوم.
تطبيق طقس العرب
حمل التطبيق لتصلك تنبيهات الطقس أولاً بأول